أن تصف كلمة بكلمة أخرى؟!

أن تصف كلمة بكلمة أخرى؟!

صديقي , ريثما تقترب ساعة الانصراف اكتب اليك هذه الرسالة:

بالأمس القريب جدا, والقريب من قلبي. حيث وقفت على مدخله كلمة لطيفة، تنظر فيه دون أن تنطق. كنت جالسا على أريكتي الرثة اقرأ حينما لمحتها من زاوية اعتقد فيما تراه عيناي أنها لا تراني. إلا أنني لم أفهم تلك الكلمة! نظرت أتفحصها من أولها الى أخرها، مرة من اليمين، ومرة من الشِمال حتى أنني حاولت قراءتها بالعكس. وفي أثناء ذلك جذبتها كلمة اخرى من خلفها فأعطت ظهرها للمدخل, حاولت قراءتها من الخلف إلا انني لم أستطع فك معانيها.

أكتب إليك يا صديقي لأن الكلمة ذات حروف معروفة لدي ومعروفة جدا، حتى أنها ترتبط بشجرة عائلتي من حيث جدي الأول. لكنني ما إن رأيتها تجمدت لشدة إعجابي بها، بل دعني أخبرك بالحقيقة لقد فتنتني هذه الكلمة كما لم يفتني شيء قبلها.

أقبلت بعد ذهاب ذهولي فورا على مكتبتي أبحث في معجم الكلمات، أقلب صفحاته بحثا عن رسم يشبه رسمها، يشبه تفاصيل وجهها وابتسامتها وانثناءاتها وهي تقف في سطر مليء بالكلمات. مرة تتكأ بشكل ظريف على الكلمة التي تليها، ومرة تسابق الكلمات فتقف في أول السطر و تثنى رأسها تنظر إلى السطر الذي فوقها والذي تحتها وتحادث الكلمتين في بدايتهما وتسائلهما عن أخبارهما. تستخدم ارجوحة معلقة على السطر فوقها كلما أتت في نهاية سطر ما، تتأرجح عليها وهي تتأمل في المجرى وفي الضفة الأخرى من الكتاب. تلوح الى تلكم الكلمات التي تقبع في أوائل سطور تلك الصفحة وتبتسم لهن. وهذا يكون حالها ان أتت في الصفحة اليمني، أما حالها مع الصفحة اليسرى فلم أقف عليه لأنني لم انتقل الى الصفحة اليسرى حتى الان.

أما عن حالها مع شعرها; ففي كل موقف لها تسريحة شعر مختلفة، مرة تسدله يمينها، ومرة أخرى يسارها، ولقد وجدتها في وسط الكلام أحيانا تربط شعرها فوق رأسها حتى تسهل حركاتها. وفي كل حكاية تختلف قصة شعرها عن الأخرى، قرأت جزء من قصيدة حزينة فرأيتها بقصة قصيرة متأثرة بسبب ذلك الفراق الذي أصاب الشاعر.

في الصباح التالي، جلست اعصر ذهني لصياغة رسالة لها يا صديقي، ولكن فكري ما استطاع أو أنه أبى. كيف لك أن تجد كلمة تكتبها لكلمة فاتنة؟! أن تصف كلمة بكلمة أخرى، ألن تحنق عليك ؟! وتتجاهلك ؟!

لذلك قررت أن أنظر اليها وابتسم علَها تفهم ذلك الحديث الذي لا تصغه الكلمات.

جثم الطائر .. . فهو جاثوم

جثم الطائر .. . فهو جاثوم


• جلس الإنسان

• برك البعير

• ربضت الشاة

• أقعى السبع

• جثم الطائر


والجاثوم طائر لا يراه الانسان، لأنه مخلوق من النار كخلق الجان. يعرف بتحليقه في السماء على نحو منخفض ،ويتخذ من البيوت الغير مسكونة مأوىً له هرباً من ضوء الشمس في النهار، وهرباً من أطفال الشياطين في الليل، فإذا ما أُحُييت هذه البيوت انتقل إلى غيرها. وهو كائنٌ شارد الذهن, يحط أحياناً في مكانه الذي اعتاد دون أن يتفقد المكان إن كان أصابه تغيير ما ،وأحياناً تختلط عليه البيوت فيظن أن ساكنها قد استولى على مسكنه فيجثم عليه فإذا انتبه إلى خطأه قام فزعاً وربت على كتفه معتذراً.

ويقال أن الجاثوم طائرٌ مغرد يخبئ في جيناته سراً غريباً ، فجدّه الاول هجين من نوعين من الطيور النارية وجدّته  هجين من نوعين اخرين . وهو يأتي أزرق الجناحين أو ذهبي أو كستنائي وقد يكون لون أحد جناحيه مختلفا عن الاخر في آن واحد. و يظنان هذا التهجين جاء تحت رعاية الجان تحت بحث علمي يهدف إلى تحسين نسل الطيور النارية في ذلك الزمان ولا يدرى بعد انفلاته باي نوع من الطيور تزواج.

وهو كائن حَييَّ فإذا ما دخل بيتاً وجد فيه أشخاصاً لا يسترون أنفسهم جثم في مكانه وأغمض عينه وبدأ يغرد تغريداً هادئاً. وهو طائر لطيف فإذا ما رأى طفلاً سعيداً يلعب ويمرح بدأ يحلق فوقه ويغرد تغريداً مبهجاً، فإذا ما توقف الطفل, نزل الى مكان قريب ينظر اليه يستحِثُه للعب من جديد.

ويقال في حقه أنه يكره الحروب، لكنها إذا خنقته هاجم الغازين على أرضه فيجثم على أفراد الجيش أثناء نومهم ليخنقهم. وقد يُذكر في التاريخ وجود حالات قتلٍ للمحاربين أثناء نومهم دون أن يُعرف السبب، ويعزي العارفون به سبب ذلك إليه، فإذا كثر الموت دون سبب انتقل الجيش إلى أرض أخرى حتى يدرؤوا عن أنفسهم سطوته.

ويذكر في العرب من استطاع أن يخنقه أثناء جثمه عليه, فيوحي إليه بأنه هو البادئ في إيذائه بالنوم في موضعه, فينتهى الرجل ويقوم من فوره إلى مكان اخر.

ويشاع في العوام أنه عفريت عاشق وهذا لا يصح.  والسبب في ذلك يُعزى الى أمرين:

– الأمر الأول: أنّ منظور الجمال عنده مرتبط بتردد ألوان مختلف عن تلك التي يراها الانسان وبهئية مختلفة, إلا أنه في بعض الأحيان يستأنس إلى أهل القلوب السليمة ويجلس بالقرب من مجالسهم يستمع الى أحاديثهم فإذا ما اختلى الفرد منهم بذاته احترم خصوصيته وحلق عائداً إلى داره.

– الأمر الثاني: انه عذريّ الهوى, لا يحب إلا من جنسه وكأنه يحافظ على ذلك الجين الغريب داخله ليورثه الى أبناءه، وهو طائر وفيّ لشريك حياته حتى بعد مماته. ويندر في فصيلته أن يُسمع عن حالة خيانة.

وأحق ما يقال عنه أنّه أقرب ما يكون إلى الفطرة في مأكله ومشربه لا يسرف في احتفاله ولا في مأتمه, وإذا ما مات طائر منهم أسرعوا في رفعه الى شجرة عالية ليتلاشى مع حرارة الشمس في الهواء.

وأغلب ما يقال عنه هو محض تلفيق لا أصل له. وإن كان بعض أهل العلوم التجريبية ينفون وجوده وينسبون الأثر الظاهر لحالة الجثم إلى حالة عصبية. فقد يحدث أن تتشابه اثار الجثم مع حالة عضوية. إلا إن هذا لا ينفى وجوده، فهو فكرة لا يمكن الخلاص منها بتبرير علمي نابع من تجربة البشر أو أبحاثهم، فالعَالِم بحال البشر يعي قصر عقولهم في الكشف عن خفايا هذا الكون ,وأن تجاربهم العلمية قد يثبت مع التطور العلمي والتقني والفكري عدم سلامتها من الخطأ.